قال الامام البخاري : " وَقَرَأَ عُمَرُ: «فَامْضُوا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» " اهـ .[1]
قال الامام الطبري : "حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ:
ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ
فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» " اهـ .[2]
فلم ينفرد عمر رضي الله عنه بهذه القراءة بل شاركه غيره
من الصحابة الكرام , قال ابن عطية في المحرر :
" وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي وأبي
وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وجماعة من التابعين: «فامضوا إلى ذكر
الله» " اهـ .[3]
وقال الامام ابن الجزري : " (وَمِنْهَا) مَا يَكُونُ لِإِيضَاحِ حُكْمٍ
يَقْتَضِي الظَّاهِرُ خِلَافَهُ كَقِرَاءَةِ
(فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ؛ فَإِنَّ قِرَاءَةَ فَاسْعَوْا
يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا الْمَشْيَ السَّرِيعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَتِ
الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى مُوَضِّحَةً لِذَلِكَ وَرَافِعَةً لِمَا يُتَوَهَّمُ
مِنْهُ " اهـ .[4]
فهذا حرف منقول عن الصحابة الكرام , ولقد ثبت عن النبي
صلى الله عليه واله وسلم انه قال : " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى
سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»
" اهـ .[5]
وفي صحيح الامام مسلم : " 274 - (821) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، ح
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ
أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ
وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ أَتَاهُ
الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ
الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ»، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ
وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ
الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ
الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ
وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ،
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ
تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ
أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا
عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا" اهـ .[6]
فهذه القراءة ثابتة عند الصحابة الكرام رضي الله عنهم ,
ولقد ثبت في كتب الرافضة ان هذه القراءة منقولة عن غير عمر رضي الله عنه , قال الطبرسي في المجمع : " {
فاسعوا إلى ذكر الله } أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين عن قتادة وابن
زيد والضحاك وقال الزجاج: معناه فامضوا إلى السعي الذي هو الإِسراع وقرأ عبد الله بن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وروي
ذلك عن علي بن أبي طالب (ع) وعمر بن الخطاب وأبي
بن كعب وابن عباس وهو المروي عن ابي جعفر (ع) وأبي عبد
الله (ع) " اهـ .[7]
وقال المفيد : " وروي
عن جابر الجعفي قال : كنت ليلة من بعض الليالي عند أبي جعفر عليه السلام فقرأت هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا
إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " قال : فقال عليه السلام
: مه يا جابر كيف قرأت ؟ ! قال : قلت : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " قال : هذا
تحريف يا جابر ، قال : قلت : فكيف أقرء
- جعلني الله فداك - ؟ قال : فقال : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله "
هكذا نزلت يا جابر لو كان سعيا " لكان عدوا " لما كرهه رسول الله صلى
الله عليه وآله لقد كان يكره أن يعدو الرجل إلى الصلاة ، يا جابر لم سميت يوم
الجمعة جمعة ؟ قال : قلت : تخبرني جعلني الله فداك ، قال : أفلا أخبرك بتأويله
الأعظم ؟ قال : قلت : بلى جعلني الله فداك ، قال : فقال : يا جابر سمى الله الجمعة
جمعة لأن الله عز وجل جمع ذلك اليوم الأولين والآخرين وجميع ما خلق الله من الجن
والإنس وكل شئ خلق ربنا والسماوات والأرضين والبحار والجنة والنار وكل شئ خلق الله
في الميثاق فأخذ الميثاق منهم له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة
ولعلي عليه السلام بالولاية وفي ذلك اليوم قال الله للسماوات والأرض : "
ائتيا طوعا " أو كرها " قالتا أتينا طائعين " فسمى الله ذلك اليوم الجمعة لجمعه فيه الأولين
والآخرين ، ثم قال عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم
الجمعة " من يومكم هذا الذي جمعكم فيه والصلاة أمير المؤمنين عليه السلام
يعني بالصلاة الولاية وهي الولاية الكبرى ففي ذلك اليوم أتت الرسل والأنبياء
والملائكة وكل شئ خلق الله والثقلان الجن والإنس والسماوات والأرضون والمؤمنون
بالتلبية لله عز وجل " فامضوا إلى ذكر الله
" وذكر الله أمير المؤمنين " وذروا البيع " يعني الأول " ذلكم
" يعني بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وولايته " خير لكم " من
بيعة الأول وولايته " إن كنتم تعلمون " ، " فإذا قضيت الصلاة
" يعني بيعة أمير المؤمنين " فانتشروا في الأرض " يعني بالأرض :
الأوصياء ، أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول وطاعة أمير المؤمنين
عليه السلام كنى الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض " وابتغوا فضل الله
" قال جابر : " وابتغوا من فضل الله " قال
: تحريف هكذا أنزلت وابتغوا فضل الله على الأوصياء " واذكروا الله
كثيرا " لعلكم تفلحون " ثم خاطب الله عز وجل في ذلك الموقف صلى الله
عليه وآله فقال : يا محمد " إذا رأوا " الشكاك والجاحدون " تجارة
" يعني الأول " أو لهوا " يعني الثاني انصرفوا إليها قال : قلت : "
انفضوا إليها " قال : تحريف هكذا نزلت " وتركوك " مع علي "
قائما " ، قل " يا محمد " ما عند الله " من ولاية علي
والأوصياء " خير من اللهو ومن التجارة " يعني بيعة الأول والثاني للذين
اتقوا ، قال : قلت : ليس فيها للذين اتقوا ، قال : فقال : بلى هكذا نزلت الآية
وأنتم هم الذين اتقوا " والله خير الرازقين " ( 1 ) .
_______________
‹ (
1 ) نقله البحراني من الكتاب في تفسير البرهان ج 4 ص 334 . وفي جميع المواضع التي
قال عليه السلام : " هكذا نزلت " أي بذلك التأويل نزلت كما هو الظاهر
لمن تدبر أو تتبع أخبار التحريف . " اهـ . [8]
فهذا
الغفاري قد علق على الرواية في الحاشية ولم يضعفها , او يطعن بصدورها من الامام
الصادق , ولهذا نرى ان الطبرسي قد ذكر ان هذه القراءة منقولة عن الامام الصادق .
فاذا
طعن احد بهذه الرواية من كتاب الاختصاص فنقول له اقرأ ما كتبه علي اكبر غفاري في
مقدمة الكتاب , ثم انتقده قبل ان تنتقدنا لاننا نستشهد بمثل هذه الرواية , قال علي اكبر : " أما تأليفه هذا الذي أوقفني
حظي عليه وساعدتني السعادة لتخريجه وتصحيحه و نشره ( الاختصاص ) فهو كما قال مؤلفة
الفحل البطل : " مجموعة تحتوي فنونا " من
الأحاديث وعيونا " من الأخبار ، ومحاسن من الآثار والحكايات في معان
كثيرة من مدح الرجال و فضلهم ، وأقدار العلماء وفقههم " . والكتاب هو بما في
طيه من الغرر والدرر والدروس العالية والأبحاث القيمة يعرف عن نفسه ويعرب عن قيمته
الغالية ولا يحتاج إلى سرد جميل الثناء عليه وتسطير الكلم في إطرائه . بذلت - ولله
الحمد - وسعي في تصحيحه وتخريج أخباره من الأصول المعتبرة المعتمدة عليها وأشرت إلى المنقول منه المبثوث في مجلدات " البحار
" وأجزاء " تفسير البرهان " وغيرهما ، وكان يهمني ذلك كله
لدفع توهم أن كان الكتاب عسى ألا يكون هو الاختصاص المعروف الذي نقل منه العلامة
المجلسي وغيره من الأعاظم ، ولما في غضونه من الحقائق والدقائق والرقائق ، ونوادر
من غرائب الأخبار الواردة في شأن الأئمة عليهم السلام التي
يثقل بعضها على البعداء من عرفان الحديث ولا يكاد يتحملها ضعفاء الأفهام وحديثهم صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب
أو عبد مؤمن امتحن الله قلبة للإيمان " وقد قال أمير المؤمنين علي عليه
السلام : " لو جلست أحدثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلى الله عليه وآله
لخرجتم من عندي وأنتم تقولون : إن عليا " من أكذب الكاذبين " . ولعل من هذه الجهة سماه مؤلفه الفذ
الاختصاص فأوضحت مشكله ، وفسرت غريبه ، وشرحت معضله ، وتصديت لذلك مستعينا "
بالله وأنا قصير الباع ، وبضاعتي مزجاة ، ومنتي قليلة ، والعمل خطير فادح عبؤه ،
وكانت النسخ الموجودة لدينا قد لعبت بها
يد النساخ وصحفها قلم الكتاب ، فقاسيت ما قاسيت في ترصيفه وتحملت من المشاق في
تصحيحه ولست بمستعظم عملي وما أبرء نفسي عن زوغ البصر ، وأرجو من القراء الكرام
إذا مروا فيه بعثرة أو غفلة أو هفوة مروا كراما " والعصمة من الله لرسله
وحججه عليهم السلام . هذا ولا ننسي الثناء على زميلي المحترم الشريف السيد محمود
المحرمي الزرندي حيث عاضدني وأعانني في تخريج بعض الأحاديث وتفضل ورتب للكتاب ستة
فهارس : للمطالب والآيات والأشعار والأعلام والأماكن وغير ذلك وعلى الله بره ودره
. علي أكبر الغفاري " اهـ .[9]
لقد وضح علي اكبر غفاري ان الاستشناع لشيء من الاخبار
المنقولة في هذا الكتاب عن الائمة يكون من ضعفاء الافهام , وذلك لضعف فهمهم , وان كلام الائمة صعب
مستصعب , وان الافهام الضعيفة هي التي لا تفهمه , فرجح ان يكون سبب تسمية هذا
الكتاب بالاختصاص لهذا السبب , فلو كان هذا الاثر مردودا لبينه , ورده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق