لقد
وردت احاديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في استحباب صيام عاشوراء , ومن
ظن ان اهل السنة والجماعة اعلى الله تعالى مقامهم يصومونه فرحا بقتل الامام الحسين
بن علي رضي الله عنهما , فهو مخطيء , وجاهل , ولا اعتبار بكلامه .
قال الامام مسلم : " حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا
هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ
شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ
شَاءَ تَرَكَهُ» " اهـ . [1]
وقال : " حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،
أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟
فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ
أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ» " اهـ .[2]
وقال: " 196 - (1162)
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
غَيْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، غَضَبَهُ، قَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا،
وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ
اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُرَدِّدُ هَذَا
الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ
بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» - أَوْ
قَالَ - «لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ
وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟» قَالَ: كَيْفَ مَنْ
يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ
عَلَيْهِ السَّلَام» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟
قَالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى
رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ،
أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ
الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ،
أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» "
اهـ .[3]
ولقد ورد في كتب الرافضة مشروعية صيام عاشوراء , قال
الخوئي : " رواية زرارة عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لا تصم في يوم
عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة، ولا في وطنك، ولا في مصر من
الامصار. وهي ايضا ضعيفة السند بنوح بن شعيب وياسين
الضرير. على أن صوم عرفة غير محرم قطعا،
وقد صامه الامام عليه السلام كما في بعض الروايات نعم
يكره لمن يضعفه عن الدعاء، فمن الجائز أن يكون صوم يوم عاشوراء ايضا مكروها
لم يضعفه عن القيام بمراسيم العزاء الثالثة: رواية الحسين بن ابي غندر عن ابي عبد الله عليه السلام وهي ضعيفة السند جدا لاشتماله على عدة من
المجاهيل. فهذه الروايات بأجمعها ضعاف. نعم ان
هناك رواية واحدة صحيحة السند وهي صحيحة زرارة، ومحمد بن مسلم جميعا انهما
سألا أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء، فقال: كان صومه قبل شهر
رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك . ولكنها كما ترى لا
تتضمن نهيا، بل غايته ان صومه صار متروكا ومنسوخا بعد نزول شهر رمضان،
ولعله كان واجبا سابقا، ثم أبدل بشهر رمضان كما قد تقتضيه طبيعة التبديل، فلا تدل على نفي الاستحباب عنه بوجه فضلا عن الجواز.
ولقد سها صاحب الجواهر (قده) فألحق سند هذه الرواية بمتن الرواية التى بعدها التي
كانت هي الاولى من روايات الهاشمي الضعاف المتقدمة فعبر عنها بصحيحة زرارة، ومحمد
بن مسلم مع انها رواية عبد الملك التي يرويها عنه الهاشمي كما سبق وانما العصمة
لاهلها. وكيفما كان فالروايات الناهية غير نقية السند
برمتها، بل هي ضعيفة بأجمعها، فليست لدينا رواية معتبرة يعتمد عليها ليحمل المعارض
على التقية كما صنعه صاحب الحدائق. واما
الروايات المتضمنة للامر واستحباب الصوم في هذا اليوم فكثيرة، مثل صحيحة القداح:
" صيام يوم عاشوراء كفارة سنة " وموثقة مسعدة بن صدقة: " صوموا
للعاشوراء التاسع والعاشر فانه يكفر ذنوب سنة " ، ونحوها غيرها، وهو
مساعد للاعتبار نظرا إلى المواساة مع أهل بيت الوحي وما لا قوه في هذا اليوم
العصيب من جوع وعطش وساير الآلام والمصائب العظام التي هي أعظم مما تدركه الافهام
والاوهام. فالاقوى استحباب الصوم في هذا اليوم من حيث هو كما ذكره في الجواهر أخذا
بهذه النصوص السليمة عن المعارض كما عرفت: نعم لا إشكال في حرمة صوم هذا اليوم
بعنوان التيمن والتبرك والفرح والسرور كما يفعله أجلاف آل زياد والطغاة من بنى
أمية من غير حاجة إلى ورود نص أبدا، بل هو من أعظم المحرمات، فانه ينبئ عن خبث
فاعله وخلل في مذهبه ودينه، وهو الذى اشير إليه في بعض النصوص المتقدمة من أن أجره
مع ابن مرجانة الذي ليس هو إلا النار، ويكون من الاشياع والاتباع الذين هم مورد
العن في زيارة عاشوراء. وهذا واضح لا سترة عليه، بل هو خارج عن محل الكلام كما لا
يخفى. وأما نفس الصوم في هذا اليوم أما قضاءا أو ندبا ولا سيما حزنا فلاينبغي
التأمل في جوازه من غير كراهة فضلا عن الحرمة حسبما عرفت الرابعة: وهي التي رواها
الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام يوم
عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت: مم بكاؤك؟ فقال: أفي غفلة
أنت؟ أما علمت أن الحسين عليه السلام أصيب في مثل هذا اليوم، فقلت: ما قولك في
صومه؟ فقال لي: صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت، ولا
تجعله يوم صوم كملا وليكن افطارك بعد صلاة
العصر بساعة على شربة من ماء، فانه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت
الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله . وهي من حيث التصريح بعدم تبييت
النية، وعدم تكميل الصوم، ولزوم الافطار بعد العصر واضحة الدلالة على المنع عن
الصوم الشرعي وانه مجرد إمساك صوري في معظم النهار تأسيا بما جرى على الحسين وأهله
الاطهار عليهم صلوات الملك المنتقم القهار. إلا أن
الشأن في سندها والظاهر انها ضعيفة السند لجهالة طريق الشيخ إلى عبد الله بن سنان فيما يرويه في
المصباح، فتكون في حكم المرسل. وتوضيحه: ان الشيخ في كتابي التهذيب
والاستبصار التزم أن يروي عن كل من له أصل أو كتاب عن كتابه فيذكر أسماء أرباب
الكتب أول السند مثل محمد بن على بن محبوب، ومحمد بن الحسن الصفار و عبد الله بن
سنان ونحو ذلك، ثم يذكر في المشيخة طريقه إلى أرباب تلك الكتب لتخرج الروايات بذلك
عن المراسيل إلى المسانيد وقد ذكر طريقه في كتابيه إلى عبد الله بن سنان وهو طريق
صحيح. وذكر (قده) في الفهرست طريقه إلى أرباب الكتب والمجاميع سواء أروى عنهم في
التهذيبين ام في غيرهما منهم عبد الله بن سنان وطريقه فيه صحيح ايضا. واما طريقه (قده) إلى نفس هذا الرجل لا إلى كتابه فغير
معلوم، إذ لم يذكر لا في المشيخة ولا في الفهرست ولا في غيرهما لانهما معدان لبيان
الطرق إلى نفس الكتب لا إلى أربابها ولو في غير تلكم الكتب. وهذه الرواية
مذكورة في كتاب المصباح ولم يلتزم الشيخ هنا بان كل ما يرويه عمن له أصل أو كتاب
فهو يرويه عن كتابه كما التزم بمثله في التهذيبين حسبما عرفت. وعليه فمن الجائز أن
يروي هذه الرواية عن غير كتاب عبد الله ابن سنان الذي له إليه طريق آخر لا محالة،
وهو غير معلوم كما عرفت. فان هذا الاحتمال يتطرق بطبيعة الحال ولا مدفع له، وهو بمجرده كاف في عدم الجزم بصحة السند. بل ان هذا
الاحتمال قريب جدا، بل هو المظنون، بل المطمأن
به، إذ لو كانت مذكورة في كتاب عبد
الله بن سنان فلماذا أهملها في التهذيب والاستبصار مع عنوانه (قده) فيهما: صوم يوم
عاشوراء ونقله ساير الروايات الواردة في الباب وبنائه (قده) على نقل ما في ذلك
الكتاب وغيره من الكتب. فيكشف هذا عن ان روايته هذه عنه عن غير كتابه كما ذكرناه.
وحيث أن طريقه إليه غير معلوم فالرواية في حكم المرسل، فهي
أيضا ضعيفة السند كالروايات الثلاث المتقدمة. فصح
ما ادعيناه من أن الروايات الناهية كلها ضعيفة السند فتكون الآمرة سليمة عن
المعارض. فلم تثبت كراهة صوم يوم عاشوراء " اهـ .[4]
لقد ختم الخوئي الموضوع بعدم
كراهة صوم عاشوراء فضلا عن تحريمه , وان الامر بصيامه مشروع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق