قال الامام احمد
: " 21578 - حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ
الرُّكَيْنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ،
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي،
وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ " (1)
__________
( 1 ) حديث صحيح بشواهده دون قوله: "وإنهما لن يتفرقا حتى يردا
عَليَّ الحوضَ" وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله النخعي.....
" اهـ .[1]
ولقد صحح الاثر الامام الالباني في صحيح الجامع , حيث جاء فيه
: " 2457 - «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض
وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .
(صحيح)
... [حم طب] عن زيد بن ثابت. الروض النضير 977، 978 " اهـ .[2]
يستشهد
الامامية بهذا الاثر على ان الخلافة تكون في اهل بيت النبي صلى الله عليه واله
وسلم على اعتبار ان اسم الخليفة قد جاء في الاثر .
والجواب
:
ان
استدلال الامامية بهذا الاثر على الخلافة اوهن من بيت العنكبوت وانه لاوهن البيوت
, وذلك لان مفهوم الاثر لا يسعف الامامية في شيء من عقائدهم الباطلة , فالعترة في
اللغة لها مفهوم واسع , قال ابن دريد : "وعِتْرة
الرجلُ : أهل بيته . وفي حديث أبي بكر رضي الله
عنه : " عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) " اهـ .[3]
وقال الفيومي : " (ع ت ر) : الْعِتْرَةُ نَسْلُ الْإِنْسَانِ قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا
تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ
مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ
السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى وَرَهْطُ
الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ
الْأَقْرَبُونَ " اهـ .[4]
فالمعنى
اللغوي للعترة لا يخدم الرافضة بشيء فيما يريدونه من الحديث , فلو حملنا العترة
على اي مفهوم لغوي فلا يمكن ان يتناسب مع المعتقد الامامي , فلو قلنا مثلا : اقارب
النبي صلى الله عليه واله وسلم من المؤمنين فلا يمكن ان نطبق الحديث عليهم وذلك
لانهم كلهم يدخلون بمعنى الحديث ومن المستحيل ان يكونوا جميعا خلفاء , وكذلك يدخل
في اقاربه صلى الله عليه واله وسلم النساء , فهل تكون المرأة خليفة عند الامامية ؟
!!! , وان حمله الامامية على الذرية فهو كارثة ايضا , وذلك لان علي رضي الله عنه
ليس من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , بل ان من ذريته فاطمة , وزينب ,
ورقية , وام كلثوم رضي الله عنهن جميعا , فهل يقول الامامية بأن بنات رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم خلفاء ؟ !!! .
ولو
قال الامامية ان معنى العترة ينطبق على حديث الكساء فنقول لهم هذه كارثة كبرى ,
وذلك لان فاطمة رضي الله عنها ليست خليفة , فيلزم الامامية القول بإمامة فاطمة رضي
الله عنها , او اخراجها من العترة لانها ليست خليفة , فأي الامرين ياترى سيأخذ
الامامية ؟ !!! .
فالمعنى
اللغوي , وكذلك الشرعي لا يمكن ان يُحمل على مفهوم الامامية .
ومن
المعلوم ان حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم محمول على الوصية بالقران الكريم ,
والعترة الطاهرة , فالنبي صلى الله عليه واله وسلم قد اطلق لفظ الخليفة على القران
الكريم , ومن المعلوم ان الخليفة يخلف غيره , فمن هو السابق للقران كي يخلفه
القران ؟ ! , ومن المعلوم ان الخليفة ليست له صلاحيات كاملة في عصر الخليفة الذي
يسبقه , فهل كان القران الكريم معطل الصلاحية قبل اعلان النبي صلى الله عليه واله
وسلم خلافته ؟ !!! .
ولو
كان لفظ الاستخلاف يفيد منصب الخليفة فيلزم من هذا ان الامة كلها خلفاء على القران
, واهل البيت بدليل ما رواه الامام الترمذي في سننه
: " حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ
الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَاقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ
بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي
وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
تحقيق الألباني :صحيح ، المشكاة ( 6144 ) ، الروض النضير ( 977 - 978
) ، الصحيحة ( 4 / 356 - 357 ) " اهـ .[5]
ولا يمكن ان نفهم هذا الحديث لمجرد ورود كلمة تخلفوني
فيهما اي تكونوا خلفاء عليهم .
بل
ورد في القران الكريم ان الله تعالى قد جعل قوم عاد خلفاء , حيث قال سبحانه : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى
رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (69) : الاعراف } , فهل نصب الله تعالى قوم عاد خلفاء ؟ !!! , وقال
تعالى مخاطبا الناس : { أَمْ مَنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) : النمل } , فهل كان هؤلاء جميعا خلفاء بتنصيب
الهي ؟ !!! .
ولقد ورد في كتب الامامية ان الإمارة لو كانت في احد فان الوصية لا تكون فيه , ففي نهج البلاغة
: " ومن كلام له (عليه
السلام) في معنى الانصار
قالوا: لمّا انتهت إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنباء
السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، قال (عليه السلام): ما قالت الانصار؟
قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.
قال (عليه السلام): فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ
رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهمْ،
وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟
قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟
فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الامارة فِيهمْ لَمْ تَكُنِ
الْوَصِيَّةُ بِهِمْ.
ثم قال: فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟
قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).
فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا
الَّثمَرَةَ " اهـ .[6]
فقد اكد علي رضي الله عنه ان الامارة لو كانت في الانصار لم تكن
الوصية بهم , ولقد ورد عند الامامية ان وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
كانت بأهل البيت , والانصار , ففي امالي المفيد : ": أخبرني أبو حفص عمر بن محمد
بن علي الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن محمد
الحسني قال: حدثنا عيسى بن مهران قال: أخبرنا يونس بن محمدقال: حدثنا عبد الرحمن
ابن الغسيل قال: أخبرني عبد الرحمن بن
خلاد الانصاري، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب والعباس بن
عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه
الذي قبض فيه، فقالوا: يا رسول الله هذه الانصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها
عليك. فقال: وما يبكيهم ؟ قالوا: يخافون أن تموت، قال: أعطوني أيديكم فخرج في
ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد،
أيها الناس ! فما تنكرون من موت نبيكم ؟ ألم أنع
إليكم وتنع إليكم أنفسكم ؟ لو خلد أحد قبلي ثم بعث إليه لخلدت فيكم. ألا
إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى بين
أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا
كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا أوصيكم بهم، ثم أوصيكم بهذا الحي من الانصار ، فقد عرفتمبلاهم عند الله عزوجل وعند رسوله
وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ، ويؤثروا وبهم الخصاصة ؟ فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من
محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم ". وكان آخر مجلس جلسه حتى لقي الله عزوجل
" اهـ .[7]
فهذه
الرواية صريحة بالوصية بأهل البيت , والانصار على حد سواء , ولقد نفى علي رضي الله
عنه في نهج البلاغة الامارة لمن تكون الوصية فيه , ومما يدل على ان مراد رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم الرعاية لاهل البيت والانصار قوله : (فمن ولي
منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم )
فلو كانت ولاية الامر لاهل البيت لاوصاهم بالانصار بدلا من ان يوصي غيرهم بهم .
واما
لفظ (فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) فارجو قراءة موضوع كتاب الله وعترتي
اهل بيتي في الكتاب فقد شرحته , وبينت فيه المفهوم الصحيح له من خلال كلام اهل
العلم المعتبرين , والله الموفق للصواب .