الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

الرد على الخلاف حول البسملة



قال الامام الشنقيطي : " اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من أول كل سورة، أو من الفاتحة فقط، أو ليست آية مطلقاً. أما قوله في سورة النمل " انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم" فهي آية من القرآن اجماعاً.
وأما سورة براءة فليست البسملة آية منها اجماعاً، واختلف فيما سوى هذا، فذكر بعض أهلا الاصول أن البسملة ليست من القرآن وقال قوم هي منه في الفاتحة فقط، وقيل هي آية من أول كل سورة وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
قال مقيده عفا الله عنه: ومن أحسن ما قيل في ذلك، الجمع بين الأقوال، بأن البسملة في بعض القراءات كقراءة ابن كثير آية من القرآن وفي بعض القرآن ليست آية، ولا غرابة في هذا فقوله في سورة الحديد " فان الله هو الغني الحميد" لفظة (هو) من القرآن في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وليست من القرآن، في قراءة نافع وابن عامر لأنهما قرءا " فان الله الغني الحميد" وبعض المصاحف فيه لفظة (هو) وبعضها ليست فيه وقوله " فأينما تولوا فثم وجه الله فان الله واسع عليم". " وقالوا اتخذ الله ولداً" الآية فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن، على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ " قالوا اتخذ الله ولداً" بغير واو وهي محذوفة في مصحف أهل الشام، وقس على هذا وبه تعرف أنه لا اشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء" اهـ . [1]
فخلاصة الكلام ان البسملة في بعض القراءات ثابتة , وفي بعضها غير ثابتة , وهذا الخلاف لا يترتب عليه اي طعن في القران الكريم , وذلك لان المصاحف التي كتبها الصحابة الكرام في عهد عثمان رضي الله عنها وبعثوا بها الى الامصار قد وضعوا فيها ما اخذوه من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وقد قال عليه الصلاة والسلام ان هذا القران انزل على سبعة احرف , قال ابو عبيد : " قَدْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ " اهـ .[2]
وهذا من رحمة الله تعالى على الامة , والتيسير لها , والامة مأمورة ان تقرأ القران بإي حرف من هذه الحروف كما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» " اهـ . [3]
وقد نقلت هذا الحديث وشرحته في نفس الكتاب تحت عنوان { ان هذا القران انزل على سبعة احرف }
فكتابة القران الكريم لا تخرج من ان تكون من هذه الاحرف , ولو اختاروا حرفا واحدا وكان فيه وجهان فان هذا معتبر عند اهل القراءات , قال الامام ابن الجزري : " ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتاً في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر (قالوا اتخذ الله ولداً) في البقرة بغير واو (وبالزبر وبالكتاب المنير) بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي وكقراءة ابن كثير (جنات تجري من تحتها الأنهار) في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة من فإن ذلك ثابت في المصحف المكى وكذلك (فإن الله هو الغني الحميد) في سورة الحديد بحذف هو وكذا (سارعوا) بحذف الواو وكذا (منها منقلباً) بالتثنية في الكهف إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه " اهـ . [4]
وقال الامام السيوطي : " الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا " اهـ .[5]
والاجماع منعقد على عدم تكفير المثبت للبسملة , او النافي لها , قال الامام النووي : " وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِي الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي اوائل السور غَيْرَ بَرَاءَةَ وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ النَّمْلِ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحين) فَقُرْآنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ جَحَدَ مِنْهَا حَرْفًا كَفَرَ بِالْإِجْمَاعِ " اهـ . [6]
ولقد ورد في كتب الرافضة ان البسملة لا تكون بين سورة الضحى , والانشراح , وبين سورة الفيل وسوة قريش , قال الحلي , وغيره من علماء الامامية : " روى أصحابنا أن " الضحى " و " ألم نشرح " سورة واحدة ، وكذا " الفيل " و " الإيلاف " ، فلا يجوز إفراد أحدهما عن صاحبتها في كل ركعة . ولا يفتقر إلى البسملة بينهما ، على الأظهر " اهـ .[7]
فلو كانت البسملة اية في سورة من القران لما ردها الرافضة بين هذه السور التي ذكرناها , ومن المعلوم ان رسم القران فيه البسملة في بداية سورة الضحى , والانشراح , والفيل , وقريش .
ولقد صرح الصدوق  بان الضحى , والانشراح سورة واحدة , ولايلاف , والم نشرح سورة واحدة, حيث قال : " وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولايلاف وألم تر كيف سورة واحدة " اهـ .[8]
وفي الجامع الشرائع  : " الضحى والإنشراح سورة، والفيل ولإيلاف سورة: ولا بسملة بينهما وقيل البسملة كما في المصاحف " اهـ . [9]
لقد جزم بعدم البسملة , ثم ذكر بصيغة التمريض البسملة بينهما , فلو كان الامر فيه طعن في القران لما جزم بعدم البسملة بينهما .
ولقد ذكر الحلي ان جاحد البسملة لا يكفر لوجود الشبهة , حيث قال : "  وقد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخط المصحف ، مع تشددهم في كتبه ما ليس من القرآن فيه ، ومنعهم من النقط والتغير ، ولا يكفر جاحدها للشبهة " اهـ .[10]
وورد في كتب الرافضة ان الجهر بالبسملة غير مشمولة بالتقية , ومع هذا يأمر المعصوم بعدم الجهر بها ويحملها الامامية على التقية , قال محمد تقي المجلسي : " و قال ابن أبي عقيل: تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام أن لا تقية في الجهر بالبسملة و روى الصدوق بإسناده المعتبر عن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة وروي في الصحيح، عن عبيد الله بن علي الحلبي، و محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما سألاه عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إن شاء سرا و إن شاء جهرا فقالا: أ فيقرأها مع السورة الأخرى فقال: لا و حملا على عدم الوجوب أو التقية كما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير زكريا بن إدريس قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يجهر كما حمل الأخبار الصحيحة الدالة على جواز تركها مطلقا على التقية كصحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يضره و لا بأس بذلك و إن أمكن حملها على النسيان أيضا " اهـ .[11]
لقد قال الامام المعصوم بعدم قراءة البسملة بين السورتين فلو كانت اية من كل سورة لامر بقراتها في السورة الثانية .


1 - مذكرة في اصول الفقه – محمد المختار بن محمد الامين الشنقيطي – ص 66 .
2 - فضائل القرآن – ابو عبيد القاسم بن سلام - ص 339 .
3 - صحيح البخاري - بَابُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ -  ج 6 ص 184 , وصحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 560 .
4 - النشر في القراءات العشر - ابو محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري– ج 1 ص 21 .
5 - الاتقان في علوم القران – عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 1 ص 239 .
6 - المجموع شرح المهذب – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 3 ص 334 .
7 - شرائع الإسلام - جعفر بن الحسن بن يحيى الحلي - ج 1  ص 66 ,  ومسالك الأفهام - الشهيد الثاني - ج 1  ص 211 , ومدارك الأحكام - محمد العاملي - ج 3  ص 377 .
8 - الاعتقادات – للصدوق – 84 .
9 - الجامع للشرائع – يحيى بن سعيد الحلي – ص 81 .
10 - نهاية الإحكام - الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي - ج 1 - ص 462 , وتذكرة الفقهاء (ط.ج) –  الحلي - ج 3 - ص 133 .
11 - روضة المتقين – محمد تقي المجلسي - ج 2 ص 303 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق