{ كتاب الله وعترتي }
في سنن الترمذي : " حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ
الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَاقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ
بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ
الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي
فِيهِمَا
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
تحقيق الألباني:صحيح، المشكاة (6144) ،
الروض النضير (977 - 978) ، الصحيحة (4 / 356 - 357) " اهـ .[1]
ولقد جاءت هذه الرواية باسانيد اخرى , وقد استوعبها
الامام الالباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة , فالحديث صحيح والله اعلم .
بما اننا نقول بصحة الحديث , فيجب علينا ان نفهم معناه جيدا , ثم نتعبد لله
تعالى بهذا المفهوم من غير افراط , ولا تفريط , فالتمييع , والغلو كلاهما مرفوض .
نبدأ بمعنى العترة الوارد في الحديث , وما معناها , ثم بعد ذلك نبين ما
معنى لن يتفرقا .
لقد جاءت العترة في اللغة بمفهوم واسع , قال ابن دريد : "وعِتْرة
الرجلُ : أهل بيته . وفي حديث أبي بكر رضي الله
عنه : " عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) " اهـ .[2]
وقال الفيومي : " (ع ت ر) : الْعِتْرَةُ
نَسْلُ الْإِنْسَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ
الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ
وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ
الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ
الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ
نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي
تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ
بِمَعْنًى وَرَهْطُ الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ الْأَقْرَبُونَ " اهـ .[3]
فنرى ان المعنى اللغوي لا يخدم الرافضة في استشهادهم
بالحديث من الناحية اللغوية , وذلك لان الرافضة يحصرون العترة بفاطمة , وعلي ,
والحسن , والحسين رضي الله عنهم , وتسعة من ذرية الحسين رضي الله عنه بشكل عمودي
بحيث انهم يخرجون الكثير من ذرية الحسين رضي الله عنه غير هؤلاء التسعة , فمثلا
زيد , ومحمد الباقر كلاهما من ابناء علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله , فيجعل
الرافضة محمد الباقر رحمه الله من العترة , ويخرجون زيد بن علي رحمه الله من
العترة , ومثل هذا الامر تراه في ذرية الحسين رضي الله عنه من بعد زين العابدين ,
فلا يمكن ان يستقيم معنى العترة من الناحية اللغوية وفق معتقد الرافضة .
اما وفق الفهم السني فإن العترة لها مفهوم واسع , وذلك
لان الادلة قد جاءت بذلك , وفي ضوء هذا المفهوم نستطيع ادخال الكثير في العترة ,
ولا يوجد عندنا اي اشكال , وأنبه الى نقطة مهمة جدا الا وهي : عدم قول اي احد من
علماء السنة بحصر مفهوم العترة وفق ما يقول به الرافضة , وهو حصرهم بعلي , وفاطمة
, والحسن , والحسين رضي الله عنهم , وتسعة من ذرية الحسين رضي الله عنه بالشكل
الذي يقولون به , وكذلك لم يقل احد من اهل اللغة بهذا الحصر للعترة سواء ما يخص
النبي صلى الله عليه واله وسلم , او غيره .
واما معنى العترة المراد من قول رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم في هذا الحديث الشريف , فهو كما قال الامام
الالباني : " و اعلم أيها القارىء الكريم , أن من المعروف أن
الحديث مما يحتج به الشيعة , و يلهجون بذلك كثيرا , حتى يتوهم أهل السنة أنهم
مصيبون في ذلك , وهم جميعا واهمون في ذلك , و بيانه من وجهين :
الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم :
" عترتي " أكثر مما يريده الشيعة , و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون
به , ألا و هو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم , و قد جاء ذلك
موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة : " عترتي
أهل بيتي " و أهل بيته في الأصل هم " نساؤه
صلى الله عليه وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو
صريح قوله تعالى في ( الأحزاب ) : *( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا )*
بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها : *( يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و
قلن قولا معروفا . و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى و أقمن
الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا . واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن
الله كان لطيفا خبيرا )* ,و تخصيص الشيعة ( أهل البيت
) في الآية بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين رضيالله عنهم دون نسائه صلى الله عليه
وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه ,
و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة
الآية و دخول علي و أهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره ,و كذلك
حديث " العترة " قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته
صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته و علي و
أهله . و لذلك قال التوربشتي - كما في
" المرقاة " ( 5 / 600 ) : " عترة الرجل : أهل بيته و رهطه
الأدنون , و لاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقوله : " أهل بيتي " ليعلم
أنه أراد بذلك نسله و عصابته الأدنين وأزواجه " . و الوجه الآخر : أن
المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء الصالحون منهم و
المتمسكون بالكتاب و السنة , قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى :
" ( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك
بأمره " . و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا .
ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : " إن
أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله , فالمراد بهم أهل العلم
منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه و حكمته . و
بهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : *( و يعلمهم الكتاب و
الحكمة )* "
. قلت : و مثله قوله تعالى في خطاب
أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة : *( و اذكرن ما يتلى في
بيوتكن من آيات الله و الحكمة )* . فتبين أن المراد بـ ( أهل البيت )
المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم , فتكون هي المقصود بالذات في
الحديث , و لذلك جعلها أحد ( الثقلين ) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل
الأول و هو القرآن , و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية
" : " سماهما ( ثقلين ) لأن الآخذ بهما ( يعني الكتاب و السنة ) و العمل
بهما ثقيل , و يقال لكل خطير نفيس ( ثقل ) , فسماهما ( ثقلين ) إعظاما لقدرهما
و تفخيما لشأنهما " .
قلت : و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في
هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله :
" فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين ... " . قال الشيخ القاريء
( 1 / 199 ) : " فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي , فالإضافة إليهم , إما
لعملهم بها , أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها " اهـ .[4]
واما ما يتعلق بقوله صلى الله عليه واله وسلم ( لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض ) , فالمعنى المراد من ذلك الاجماع لا اكثر , ومن
المستحيل ان النبي صلى الله عليه واله وسلم يريد اعيانهم , فمن المعلوم ان عليا ,
والعباس , وجعفر بن ابي طالب , وامهات المؤمنين , وفاطمة , والحسن , والحسين ,
وابن عباس , وغيرهم الكثير من العترة رضي
الله عنهم قد ماتوا , فمن قال ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اراد الاعيان فهو
مخطيء قطعا , فيكون المراد من ذلك هو عدم الافتراق المعنوي , وهو الاجماع المنعقد
من العترة رضي الله عنهم فيبقى في الامة متداولا , ومعمولا به , كما ان القران باق
, ومعمول به , ومن المعلوم ان الاجماع لا يقوم الا على اساس الفهم من الكتاب
والسنة النبوية المطهرة , فدل ذلك على ان الامر متعلق بالفهم المتفق عليه من
العترة , فيكون هذا مساويا للتمسك بسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعد رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم , والتمسك بسنة الخلفاء الراشدين يتعلق بفهمهم للشريعة ,
واتفاق سيرتهم التي يُفهم منها الاجماع , ولهذا قال
شيخ الاسلام ابن تيمية: "وقَدْ تَنَازَعَ
الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِي إجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَفِي إجْمَاعِ الْعِتْرَةِ هَلْ هُوَ
حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا ؟ وَالصَّحِيحُ
أَنَّ كِلَيْهِمَا حُجَّةٌ . فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ
مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } وَهَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي السُّنَنِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ : كِتَابُ
اللَّهِ وَعِتْرَتِي وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى
الْحَوْضِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَفِيهِ نَظَرٌ . وَكَذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي
زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ " اهـ .[5]
وقال في منهاج السنة : " أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ عِتْرَتِهِ: إِنَّهَا وَالْكِتَابُ
لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ
إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ
الْعِتْرَةَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كُلُّهُمْ: وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَوَلَدُ عَلِيٍّ،
وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ،
وَغَيْرُهُمْ، وَعَلِيٌّ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ
الْعِتْرَةَ، وَسَيِّدُ الْعِتْرَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْعِتْرَةِ
كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ عَلِيٍّ فِي
كُلِّ مَا يَقُولُهُ، وَلَا كَانَ عَلِيٌّ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي
كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، وَلَا عُرِفَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ -
لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ - قَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ
عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ " اهـ .[6]
والدليل على ما نقول ان المراد من الحديث
الاجماع لا غيره ما ورد في سنن الامام الترمذي : " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ الْبَصْرِىُّ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ
أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَبَلَغَ ذَلِكَ
ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ». وَلَمْ
أَكُنْ لأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ
تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ». فَبَلَغَ
ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْمُرْتَدِّ. وَاخْتَلَفُوا فِى الْمَرْأَةِ إِذَا
ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُقْتَلُ
وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلاَ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
تحقيق الألباني:صحيح، ابن ماجة (2535)" اهـ .[7]
فلو كان قول احد العترة , او فعله حجة لما
اختلف فعلهم اختلاف تضاد , ثم نرى ان عليا رضي الله عنه يصوب كلام ابن عباس المبني
على الدليل من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فدل هذا على ان الحجية
المتعلقة بالعترة الاجماع لا غيره .
ولقد ورد الاختلاف بين علي , وفاطمة رضي الله عنهما
وكلاهما من العترة , ففي صحيح البخاري : " 3729 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ
المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ
فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ، فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ،
وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ
أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ
فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ
تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَتَرَكَ
عَلِيٌّ الخِطْبَةَ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مِسْوَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: «حَدَّثَنِي
فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» " اهـ .[8]
فاختلاف العترة وارد , وبما ان الاختلاف يصدر منهم فلا
تكون حجيتهم الا بما اجمعوا عليه , فاذا اختلفوا ننظر الى الادلة التي يستدلون بها
فنأخذ بما يستدلون به من غير الزام لاتباع افرادهم .
ولو سألنا الامامية وقلنا هل يقع مصداق
العترة على الائمة منذ الولادة ؟
فسوف تكون الاجابة المؤكدة منهم نعم , ولو
قالوا غير ذلك لاخرجوا الائمة من العترة .
ثم يكون السؤال الاخر كيف نقتدي بمن يجوز
عليه الجهل في الصغر , ويقع منه الخطأ ؟
ومن المتوقع بعد طرح هذا السؤال على الامامية فسوف
يقولون ما هو دليلكم على ذلك , فحينئذ نعطيهم الادلة ومن كتبهم على ذلك , ومن هذه
الادلة ما جاء في روضة المتقين : " و يمكن حمل النهي في غير الداخل على الكراهة كما يظهر
مما رواه الشيخ في الصحيح،
عن جميل بن دراج، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليهما السلام وأنا أقلع الحشيش من حول
الفساطيط بمنى فقال: يا بني إن هذا لا يقلع و إن أمكن حمله على إرادة القطع أو يكون
صغيرا غير مكلفوجوزنا الجهل عليهم في الصغر
" اهـ .[9]
فهذا تصريح من محمد تقي المجلسي بجواز جهل الامام في
صغره .
ففي الكافي : " عَلِيُّ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ
قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ
أَوْ إِيذَائِهِنَّ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ لَا يُقْتَلْنَ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) فَرَآنِي
وَ أَنَا أُوذِيهِنَّ فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ لَا تَقْتُلْهُنَّ وَ لَا
تُؤْذِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئاً " اهـ .[10]
الصادق رحمه
الله قد وقع في الخطأ حاله حال اي طفل , فوجهه زين العابدين رحمه الله , وعلمه الحكم
الشرعي المناسب , كما يعلم اي مسلم يقع في الخطأ , او يجهل الاحكام , والامامية
يقطعون للصادق رحمه الله بأنه من العترة , فلا يمكن لاحد ان يلتزم بحجية هذا الطفل
على الخلق .
وقال محمد تقي المجلسي في روضة المتقين: "و في القوي كالصحيح عن زرارة قال: رَأَيْتُ دَايَةَ أَبِي
الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) تُلْقِمُهُ الْأَرُزَّ وَ تَضْرِبُهُ
عَلَيْهِ فَغَمَّنِي مَا رَأَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
(عليه السلام) فَقَالَ لِي أَحْسَبُكَ غَمَّكَ مَا رَأَيْتَ مِنْ دَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ
مُوسَى قُلْتُ لَهُ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ لِي نِعْمَ الطَّعَامُ
الْأَرُزُّ يُوَسِّعُ الْأَمْعَاءَ وَ يَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وَ إِنَّا
لَنَغْبِطُ أَهْلَ الْعِرَاقِ بِأَكْلِهِمُ الْأَرُزَّ وَ الْبُسْرَ فَإِنَّهُمَا
يُوَسِّعَانِ الْأَمْعَاءَ وَ يَقْطَعَانِ الْبَوَاسِيرَ. " أهـ .[11]
الداية تؤدب الكاظم رحمه الله بحضور , واقرار من
الصادق رحمه الله , بل تضربه على امر لا يعرف مصلحته به , والصادق رحمه الله يقر
ذلك ,
فكيف يكون مثل هذا الطفل الذي لا يعرف مصلحته فضلا عن
مصلحة غيره حجة علينا ؟
ولقد حدث التنازع بين علي , وفاطمة رضي الله عنهما , ومن شاء الرجوع
الى الادلة فليقرأ فصل العصمة في الكتاب , فقد ذكرته هناك , وسوف اكتفي هنا بنقل
اعتراف المجلسي به , حيث
قال:" والاخبار
المشتملة على منازعتهما ( علي وفاطمة ) مأولة
بما يرجع إلى ضرب من المصلحة ، لظهور فضلهما على الناس أو غير ذلك مما خفي علينا
جهته " أهـ . [12]
وقال ايضا : " بيان : لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس ، أو
لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام أو لوجه من
الوجوه لا نعرفه " أهـ . [13]
علي وفاطمة رضي الله عنهما من العترة ,
ويدعي الرافضة عصمتهما , وقد اختلفا في عدة مرات , فمن نتبع منهما ؟ فإن اتبعنا
عليا رضي الله عنه , وتركنا فاطمة رضي الله عنها وهي من العترة الا نكون مخالفين
للعترة ؟ !!! , ولو عكسنا الامر واتبعنا فاطمة رضي الله عنها , وتركنا عليا رضي
الله عنه وهو من العترة الا نكون مخالفين للعترة ؟ !!! .
ولو قال الامامية ان المراد بالعترة الامام
المنصب من الله تعالى , فسوف يكون السؤال المطروح هل يُخرج الامامية السيدة فاطمة
الزهراء رضي الله عنها من العترة لانها لم تكن اماما ؟ !!! .
وهناك سؤال اخر للامامية الا وهو : اين
الامام الثاني عشر الذي يمثل العترة منذ مئات السنين الى الان ؟ .
وكيف نعلم انه مع القران ولم يفارقه ؟ !!! .
وهل القران الذي لا يفارقه هو نفس القران
الموجود بين ايدينا , ام انه قران اخر ؟ .
ان كان نفس القران فكونه لا يفارقه لا يكون
له مدح خاص به , فغيره ايضا لا يفارقه القران , بل ان غيره يُعلم القران , ويبثه ,
وهو لا يعلم القران ولا يبثه , ومن المتفق عليه ان الذي يعلم القران هو خير من
الذي لا يعلم القران .
وان قال الامامية غير هذا القران الموجود بين
ايدينا , وقد صرح بهذا كبار علماء الامامية , فنقول لهم قد طعنتم بالقران الكريم
من وجه , وطعنتم بامامكم الثاني عشر من وجه , اما طعنكم بالقران الذي بين ايدينا
يكون بقولكم بالتحريف اذ لو لم يكن محرفا لما كان يختلف عن قران مهديكم , واما
طعنكم بمهديكم فهو اتهامكم اياه بكتم القران الكريم فيدخل في محذور كتمان العلم
منذ مئات السنين
===================================================================
{ تركت فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي }
قال الامام احمد
: " 21578 - حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ
الرُّكَيْنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ،
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي،
وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ " (1)
__________
( 1 ) حديث صحيح بشواهده دون قوله: "وإنهما لن يتفرقا حتى يردا
عَليَّ الحوضَ" وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله النخعي.....
" اهـ .[1]
ولقد صحح الاثر الامام الالباني في صحيح الجامع , حيث جاء فيه
: " 2457 - «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض
وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .
(صحيح)
... [حم طب] عن زيد بن ثابت. الروض النضير 977، 978 " اهـ .[2]
يستشهد
الامامية بهذا الاثر على ان الخلافة تكون في اهل بيت النبي صلى الله عليه واله
وسلم على اعتبار ان اسم الخليفة قد جاء في الاثر .
والجواب
:
ان
استدلال الامامية بهذا الاثر على الخلافة اوهن من بيت العنكبوت وانه لاوهن البيوت
, وذلك لان مفهوم الاثر لا يسعف الامامية في شيء من عقائدهم الباطلة , فالعترة في
اللغة لها مفهوم واسع , قال ابن دريد : "وعِتْرة
الرجلُ : أهل بيته . وفي حديث أبي بكر رضي الله
عنه : " عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله ( صلى الله
عليه وسلم ) " اهـ .[3]
وقال الفيومي : " (ع ت ر) : الْعِتْرَةُ نَسْلُ الْإِنْسَانِ قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا
تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ
مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ
السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى وَرَهْطُ
الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ
الْأَقْرَبُونَ " اهـ .[4]
فالمعنى
اللغوي للعترة لا يخدم الرافضة بشيء فيما يريدونه من الحديث , فلو حملنا العترة
على اي مفهوم لغوي فلا يمكن ان يتناسب مع المعتقد الامامي , فلو قلنا مثلا : اقارب
النبي صلى الله عليه واله وسلم من المؤمنين فلا يمكن ان نطبق الحديث عليهم وذلك
لانهم كلهم يدخلون بمعنى الحديث ومن المستحيل ان يكونوا جميعا خلفاء , وكذلك يدخل
في اقاربه صلى الله عليه واله وسلم النساء , فهل تكون المرأة خليفة عند الامامية ؟
!!! , وان حمله الامامية على الذرية فهو كارثة ايضا , وذلك لان علي رضي الله عنه
ليس من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , بل ان من ذريته فاطمة , وزينب ,
ورقية , وام كلثوم رضي الله عنهن جميعا , فهل يقول الامامية بأن بنات رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم خلفاء ؟ !!! .
ولو
قال الامامية ان معنى العترة ينطبق على حديث الكساء فنقول لهم هذه كارثة كبرى ,
وذلك لان فاطمة رضي الله عنها ليست خليفة , فيلزم الامامية القول بإمامة فاطمة رضي
الله عنها , او اخراجها من العترة لانها ليست خليفة , فأي الامرين ياترى سيأخذ
الامامية ؟ !!! .
فالمعنى
اللغوي , وكذلك الشرعي لا يمكن ان يُحمل على مفهوم الامامية .
ومن
المعلوم ان حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم محمول على الوصية بالقران الكريم ,
والعترة الطاهرة , فالنبي صلى الله عليه واله وسلم قد اطلق لفظ الخليفة على القران
الكريم , ومن المعلوم ان الخليفة يخلف غيره , فمن هو السابق للقران كي يخلفه
القران ؟ ! , ومن المعلوم ان الخليفة ليست له صلاحيات كاملة في عصر الخليفة الذي
يسبقه , فهل كان القران الكريم معطل الصلاحية قبل اعلان النبي صلى الله عليه واله
وسلم خلافته ؟ !!! .
ولو
كان لفظ الاستخلاف يفيد منصب الخليفة فيلزم من هذا ان الامة كلها خلفاء على القران
, واهل البيت بدليل ما رواه الامام الترمذي في سننه
: " حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ
الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَاقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ
بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي
وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
تحقيق الألباني :صحيح ، المشكاة ( 6144 ) ، الروض النضير ( 977 - 978
) ، الصحيحة ( 4 / 356 - 357 ) " اهـ .[5]
ولا يمكن ان نفهم هذا الحديث لمجرد ورود كلمة تخلفوني
فيهما اي تكونوا خلفاء عليهم .
بل
ورد في القران الكريم ان الله تعالى قد جعل قوم عاد خلفاء , حيث قال سبحانه : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى
رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (69) : الاعراف } , فهل نصب الله تعالى قوم عاد خلفاء ؟ !!! , وقال
تعالى مخاطبا الناس : { أَمْ مَنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) : النمل } , فهل كان هؤلاء جميعا خلفاء بتنصيب
الهي ؟ !!! .
ولقد ورد في كتب الامامية ان الإمارة لو كانت في احد فان الوصية لا تكون فيه , ففي نهج البلاغة
: " ومن كلام له (عليه
السلام) في معنى الانصار
قالوا: لمّا انتهت إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنباء
السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، قال (عليه السلام): ما قالت الانصار؟
قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.
قال (عليه السلام): فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ
رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهمْ،
وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟
قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟
فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الامارة فِيهمْ لَمْ تَكُنِ
الْوَصِيَّةُ بِهِمْ.
ثم قال: فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟
قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).
فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا
الَّثمَرَةَ " اهـ .[6]
فقد اكد علي رضي الله عنه ان الامارة لو كانت في الانصار لم تكن
الوصية بهم , ولقد ورد عند الامامية ان وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
كانت بأهل البيت , والانصار , ففي امالي المفيد : ": أخبرني أبو حفص عمر بن محمد
بن علي الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن محمد
الحسني قال: حدثنا عيسى بن مهران قال: أخبرنا يونس بن محمدقال: حدثنا عبد الرحمن
ابن الغسيل قال: أخبرني عبد الرحمن بن
خلاد الانصاري، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب والعباس بن
عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه
الذي قبض فيه، فقالوا: يا رسول الله هذه الانصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها
عليك. فقال: وما يبكيهم ؟ قالوا: يخافون أن تموت، قال: أعطوني أيديكم فخرج في
ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد،
أيها الناس ! فما تنكرون من موت نبيكم ؟ ألم أنع
إليكم وتنع إليكم أنفسكم ؟ لو خلد أحد قبلي ثم بعث إليه لخلدت فيكم. ألا
إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى بين
أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا
كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا أوصيكم بهم، ثم أوصيكم بهذا الحي من الانصار ، فقد عرفتمبلاهم عند الله عزوجل وعند رسوله
وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ، ويؤثروا وبهم الخصاصة ؟ فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من
محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم ". وكان آخر مجلس جلسه حتى لقي الله عزوجل
" اهـ .[7]
فهذه
الرواية صريحة بالوصية بأهل البيت , والانصار على حد سواء , ولقد نفى علي رضي الله
عنه في نهج البلاغة الامارة لمن تكون الوصية فيه , ومما يدل على ان مراد رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم الرعاية لاهل البيت والانصار قوله : (فمن ولي
منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم )
فلو كانت ولاية الامر لاهل البيت لاوصاهم بالانصار بدلا من ان يوصي غيرهم بهم .
واما
لفظ (فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) فارجو قراءة موضوع كتاب الله وعترتي
اهل بيتي في الكتاب فقد شرحته , وبينت فيه المفهوم الصحيح له من خلال كلام اهل
العلم المعتبرين , والله الموفق للصواب .